مجددا يقع بعض السياسيين و الأكاديميين الفرنسيين ضحايا لنشوتهم المخادعة و هم يستحضرون بلاوع منهم مجدهم الإمبراطوري الآفل….مجد استقر في المخيال الجماعي لنخب من الفرنسسيين المهوسيين بعظمة فرنسا ما جعلهم متشبثين بمشاعر التفوق الوهمي الموروث عن الحقبة الاستعمارية ، هذا الخيال كثيرا ما يدفعهم لإصدار أحكام أو تصور أدوار تتجاوز الموقع الذي آلت إليه فرنسا حاليا ، ليبتعدو بذلك عن مقتضيات السياسة و منطق العرف الدولي.
المتابع للسلوك الفرنسي من المختصين لاشك أنه سجل تخبط صانع القرار الفرنسي إزاء العديد من الملفات المطروحة كملف الساحل أين اضطرت فرنسا للإنسحاب بعد هزائمها العسكرية و فشلها السياسي ، لتتدحرج السياسة الفرنسية إلى الخلف عقب تنكرها لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره و إعلانها دعم مقترح الحكم الذاتي في خطوة غير محسوبة لدولة تشغل مقعدا دائما في مجلس الأمن كثيرا ما صدرت نفسها ضامنة للأمن و الاستقرار في المنطقة ، في سياق متقارب تستمر فرنسا الرسمية في رفع شعار حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها رغم فضاعة الجرائم و حجم الإبادات المستمرة في حق الشعبين الفلسطيني و اللبناني ، و في سلم السقاطات السياسية و الأخلاقية تناور الحكومة الفرنسية و تتهرب من سؤولياتها الدولية لتقدم على منح حصانة لمجرم الحرب ” بليمين نتنياهو” بعد صدور قرار محكمة الجزاء الدولية بالإدانة ، موقف جاء كترضية لرئيس الوزراء الإسرائيلي المدان في مقابل حصول فرنسا على دور محدود في الملف اللبناني، و استمرارا في مسلسل السقطات تجيش الآلة الإعلامية الفرنسية لمهاجمة الجزائر على خلفية توقيف مواطن جزائري فرنسي مازال متابعا قانونيا لدى الجهات المختصة، و دون الخوض في التفاصيل بدت ردود الفعل السياسية و التصريحات الصادرة عن رئيس الدولة الفرنسية ووزير خارجيته سقوطا مضافا للسياسة الفرنسية ، ليتأكد وقوع صانع القرار الفرنسي تحت ضغط اللوبيات اليمينية، و من ثم الرضوخ و تبني محتوى النقاشات الدائرة في الصالونات الملهمة و التي شكلت في عمومها حالة من الانفصام السياسي .
في ذات السياق وجب توضيح نقطتين أساسيتين الأولى تتعلق بالالتزام بمبدأ قانوني مقرر في الميثاق الأممي وهو الإلتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول خاصة و أن المتهم مازال خاضعا للإجراءات القانونية المقررة وفقا للقانونين الجزائرية ذلك أن المعني مازال متمتعا بالجنسية الجزائرية الأصلية ( الرابطة القانونية)
النقطة الثانية و هي الأهم، فانزلاق السياسيين الفرنسيين و الإنحراف بالمؤسسات الأوروبية لممارسة الضغط على الجزائر أملا في ابتزازها و توجيه خياراتها السياسية و ذلك من خلال توظيف ملفات الحريات و الملفات الحقوقية من شأنه جر فرنسا إلى مقعد الإتهام و المتابعة عن عقود من الجرائم ضد الإنسانية و جرائم حرب ، جرائم التطهير و تعذيب و التنكيل و النهب وغيرها من الجرائم التي اقترفها الجيش الفرنسي في كل مستعمرات فرنسا طيلة عقود من الزمن استعبدت فيها الشعوب و نكل بإنسانيتها بكل همجية ووحشة فضلا عن جرائم مستمرة وهي جرائم التفجيرات النووية التي مازالت فرنسا تناور وتتهرب من الاعتراف بها و تعويض مئات الآلاف من الضحايا الذين مورس في حقهم أبش أنواع القتل الإشعاعي، يأتي هذا في الوقت الذي دأبت فيه فرنسا دائما على المرافعة للحقوق و الحريات و قد نصبت نفسها في محكمة “نومبورغ” لمحاكمة النازيين عن جرائم حرب لم تبلغ من البشاعة و الحجم ما اقترفته فرنسا الرسمية في الجزائر و في افريقيا و في باقي مستعماراتها ، ليبقى متحف الإنسان في باريس شاهدا على حضارة شيدت مجدها على جماجم الأبرياء.
أما فيما تعلق باللجوء إلى المرتزقة المفرنسيين من الجزائريين فقد غاب عن صانع القرارا الفرنسي حقيقة تنامي مشاعر العداء في المخيلة الجماعية لجيل الإستقلال الذي لقن أن الإستعمار الفرنسي يخفي مكونا همجيا يبتعد كليا عن قيم الإنسانية ما فسر تنامي الروح القومية و مشاعر الإنتماء لجزائر الشهداء
وهي المشاعر التي تسارعت لتستقطب أبناء الجالية التي تعدى تعدادها خمسة ملايين فضلا عن جيل من النخب السياسية و العسكرية التي ترى في تضحيات الشهداء ميثاقا مقدسا .
تحيا الجزائر المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار
د. عابر نجوى