2024-12-06 23:15

 

د. الشاذلي سعدودي

في مستهل البيان وفي الفقرة الأولى إظهار الاحترام الكامل للشعب والمناضلين في الحركة الوطنية، وذلك بأن ترك أصحاب البيان الحكم على هذه الخطوة للشعب والمناضلين، يقول البيان: ” أنتم الذين ستصدرون حكمكم بشأننا ـ نعني الشعب بصفة عامة، والمناضلون بصفة خاصة “.

ثم جاء ذكر الغرض من نشر البيان وهو ” بأن نوضح لكم مشروعنا والهدف من عملنا، ومقومات وجهة نظرنا الأساسية التي دفعتنا إلى الاستقلال الوطني في إطار الشمال الإفريقي، ورغبتنا أيضا هو أن نجنبكم الالتباس الذي يمكن أن توقعكم فيه الإمبريالية وعملاؤها الإداريون وبعض محترفي السياسة الانتهازية “. وهذا بمثابة تقديم لما سيأتي في موضوع البيان وعبّروا عنه بـ” المشروع ” وهي كلمة ذات دلالات مكثّفة يحمل أبعادا وطنية ” الاستقلال الوطني “ وإقليمية وقومية ” في إطار الشمال الإفريقي “، وفي هذا التقديم وعي كبير بالجانب الإعلامي وما يشوبه من تضليل بفعل الاحتلال وعملائه، وما أجملها من إشارة إلى “محترفي السياسة الانتهازية “، وهم أولئك الانتهازيون الذين يركبون الموجة لأغراض شخصية وهم موجودون في كل زمان وهم الذين يفسدون الممارسة السياسية في كل الأزمان وفي كل الأحوال. وما دام شباب نوفمبر فتحوا معركة التحرير كانوا على وعي تام بكل الجوانب.

وهنا رسالة إلى شباب اليوم الذين يتذمّرون من محترفي السياسة الانتهازية اليوم، إنّه لا ينبغي أن تتركوا لهم الساحة فارغة وأن تبادروا وتقدموا مشروعكم النهضوي الحضاري القائم على العلم والمعرفة واستثمار التقانة من أجل بناء دولة مزدهرة وأمة قوية بحضارتها.

– توقيت الثورة التحريرية

إنّ إعلان الثورة في ذلك التوقيت يعد مرحلة نهائية في تحقيق الهدف ” الاستقلال ” بعد مراحل طويلة ومتنوعة مرت بها الحركة الوطنية في مسار كفاحها، وبالنسبة للظروف العامة ” داخليا وخارجيا ” فهي مناسبة، فقد صار ” الشعب الجزائري في أوضاعه الداخلية متحدا حول قضية الاستقلال “، وخارجيا أو محيطيا متمثلا فيما يشهده العالم من تحولات لاسيما في العالمين العربي والإسلامي ودعمهما لقضية الشعب الجزائري في حركته التحررية ” فإن الانفراج الدولي مناسب لتسوية بعض المشاكل الثانوية التي من بينها قضيتنا التي تجد سندها الديبلوماسي وخاصة من طرف إخواننا العرب والمسلمين “. وهذا يبيّن فهم شباب نوفمبر للبعد الإستراتيجي لأي مشروع. وضرورة انتهاز فرصة استقلال كثير من البلدان العربية ……….، وكذا اعتمادهم على العمل الديبلوماسي إلى جانب العمل الثوري.

هنا ” إن أحداث المغرب وتونس لها دلالتها في هذا الصدد، فهي تمثل بعمق مراحل الكفاح التحرري في شمال إفريقيا. ومما يلاحظ في هذا الميدان أنّنا منذ مدة طويلة أول الداعين إلى الوحدة في العمل. هذه الوحدة التي لم يتح لها مع الأسف التحقيق أبدا بين الأقطار الثلاثة “. فمشروع الوحدة بين الأقطار المغاربية مشروع قديم لدى الحركة الوطنية التحررية وذلك نظرا لما يجمع أقطار المغرب العربي والشمال الإفريقي من تاريخ ودين ولغة وتاريخ مشترك بن الشعوب.

– تحمّل المسؤولية:

                لقد أدرك شباب نوفمبر أن التوقيت ليس مناسبا فحسب بل ردّوا على من كان يعتقد بأن الوقت لم يحن بعد، بل عدّوا أنفسهم متأخرين مقارنة بالأشقاء في تونس والمغرب، وإنّ الحركة الوطنية في الجزائر دخلت في حالة من الجمود والوتين، فكان لزاما تغيير الوضع” أما نحن الذين بقينا في مؤخرة الركب فإننا نتعرض إلى مصير من تجاوزته الأحداث، وهكذا فإن حركتنا الوطنية قد وجدت نفسها محطمة، نتيجة لسنوات طويلة من الجمود والروتين، توجيهها سيئ، محرومة من سند الرأي العام الضروري، قد تجاوزتها الأحداث، الأمر الذي جعل الاستعمار يطير فرحا ظنا منه أنه قد أحرز أضخم انتصاراته في كفاحه ضد الطليعة الجزائرية “. حتى ظن الاستعمار أنه انتصر على كفاح الحركة الوطنية خاصة دعاة استرجاع الاستقلال والتحرر. ولذلك لم يكتفوا باللوم بل تحمّلوا المسؤولية، مسؤولية تغيير الحال بما يتناسب مع الظروف الداخلية والخارجية   ”  أمام هذه الوضعية التي يخشى أن يصبح علاجها مستحيلا، رأت مجموعة من الشباب المسؤولين المناضلين الواعين التي جمعت حولها أغلب العناصر التي لا تزال سليمة ومصممة، أن الوقت قد حان لإخراج الحركة الوطنية من المأزق الذي أوقعها فيه صراع الأشخاص والتأثيرات لدفعها إلى المعركة الحقيقية الثورية إلى جانب إخواننا المغاربة والتونسيين” ، فكان اختيار الانتقال إلى المعركة الحقيقية الثورية لتحقيق التحرير بدل الصراع  بين الأشخاص ومختلف اتجاهات أبناء الحركة الوطنية.

وهنا رسالة ثانية إلى شباب اليوم شباب الاستقلال، شباب الكفاءات الوطنية ومختلف النخب العلمية والثقافية، هي رسالة ندعوهم فيها إلى التأسي بشباب نوفمبر وإلى تحمّل المسؤولية، ومسؤولية اليوم هو عدم الاكتفاء بلوم الطبقة السياسية ووصفها بالضحالة والانتهازية، وتكمن مسؤولية النخب اليوم في اقتحام الممارسة السياسية وطبعها بالنزاهة الأكاديمية، وإلباسها لباس المصداقية العلمية. وتسخير الكفاءة والمهارة في بناء دولة حديثة، يتحقق فيها رجاءٌ سطّره أبناء نوفمبر في البيان الخالد، واستشهدوا عليه. ولا حجة لمن يقول أنّ الظروف غير مناسبة بعد ما كان من فساد، لأنّ الحال مهما كانت عليه اليوم لا تشبه ما كانت عليه زمن الاحتلال فشباب نوفمبر  واجهوا الاحتلال مدعوما بالحلف الأطلسي، فهل يعجز شباب اليوم وهو يمتلك العلم والتقانة والإعلام في ظل دولة حرة سيدة أن يواجه أذناب الاحتلال من الطابور الخامس؟؟؟. يتبع

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.