الحملة الانتخابية سلامة تواصل ونجاعة النتائج
يقول فيليب ريترو في كتابه سوسيولوجيا التواصل السياسي: “لمفهوم جدول الأعمال(Agenda setting) أهميته في التشديد على التنافس وأحيانا التعاون لاعبين متخاصمين، لا سيما في العملية الانتخابية…” إن هذه المقولة التي تقع في صلب تخصص علم الاجتماع السياسي من طرف باحث فذ وله إنتاج علمي غزير في تحليل الظواهر السياسية وقراءتها قراءة سوسيولوجية
حيث نجده يشير إلى الأجندة السياسية التي يضعها الفاعلون السياسيون بما فيهم السلطة السياسية وحتى أولئك اللاعبون المتنافسين من أجل الوصول إلى سدة الحكم، وهي أجندة تدور حول ترتيب الأولويات التي تراعي بالضرورة الصالح العام، خاصة عندما نكون أمام مناسبة سياسية من حجم الانتخابات الرئاسية والتي لها بعد رمزي ودلالي لدى الناخب في أي مجتمع، فرئيس الجمهورية يشير إلى منصب ذو بعد كريزماتي وقيادي ولذلك فإن اختيار من يستحق هذا المنصب يحتاج إلى بعد نظر وقدرة على قراءة واسعة يمارسها الناخبون للبرامج والبدائل المقترحة، كما أن الأجندة العامة التي ننخرط فيها جميعا قبل الحديث عن مسألة من سيفوز بهذا المنصب هي أجندة إنجاح هذا الحدث السياسي الهام في تاريخ أي أمة وهذا ما يقتضي أيضا التعاون بين المتنافسين لإنجاح العملية الانتخابية حتى تكون المؤسسات الناجمة عنها ذات بعد رمزي وشرعي بالمفهوم الاجتماعي، وهنا نجد أنفسنا جميعا بغض النظر عن توجهاتنا منخرطين في العمل على إنجاح المشاركة السياسة الكثيفة والفعالة ثم الحديث في ما بعد عن هوية من سينجح في هذه العملية.
إن ما يميز رئاسيات 2024 هو الظرف التاريخي الذي نمر به داخليا وإقليميا ودوليا وبذلك فإن هذه الانتخابات لها أهمية بالغة ونحاجها سيكون له انعكاس واضح على طبيعة المؤسسات المنتخبة وأدائها السياسي خاصة في ظل القوانين الجديدة والترتيبات التي تعرفها العملية السياسية من خلال السلطة الوطنية المستقلة والمحكمة الدستورية التي تعتبر ضمانات مشجعة للطبقة السياسية على المشاركة بقوة وكثافة وهي أيضا محفز قوي للمواطنين للمشاركة، خاصة فئة المقاطعين الذين أصبحت الظروف أكثر تشجيعا لهم على الانخراط في العملية السياسية، حيث أننا اليوم أمام ثلاثة مترشحين يعكسون ثلاثة توجهات سياسة وإيديولوجية مختلفة مما يعني أننا أمام ثلاثة خطابات تقع بين التوجه الديمقراطي والتوجه الإسلامي وصولا إلى وجود مترشح حر مدعوم من طرف القوى الوطنية، وبذلك نحن أمام ثلاثة برامج تشترك في البحث عن التنمية وإحداث تحول اقتصادي والسياسي لكن وفق ثلاثة توجهات مختلفة تعكسها الخطوط العريضة للبرامج المقترحة، كما أن الرهان الحقيقي أمام المترشحين الثلاثة هو ليس استقطاب فئة المواطنين الذين لديهم قناعة بالمشاركة السياسية بل إن الرهان الحقيقي هو جلب المقاطعين واقناعهم بالمشاركة عن طريق خطاب سياسي واعي ومتمايز بين المرشحين الثلاثة ولديه القدرة على اقناع المواطنين على المشاركة القوية حتى تكون الانتخابات ذات شرعية اجتماعية.
كما أن اقناع فئة المقاطعين بالتحول إلى ناخبين هذا الرهان الذي يعتبر تحديات أمام المترشحين الثلاثة وهو متوقف على طبيعة الخطابات السياسية التي يحملوناها والبرامج التي يقدمونها للناخبين من خلال التجمعات الشعبية والخرجات الجوارية للمترشحين أنفسهم أو عن طريق نوابهم ومدراء حملاتهم الدعائية، يجعلنا ننتقل إلى المهمة الثانية التي تقع على عاتق المترشحين وهي اقناع كل مترشح للجمهور السياسي بأن يختاره هو ويصوت لصالح برنامجه السياسي، الذي يجب أن يعكس رؤية متكاملة ويرقى إلى مستوى البديل، حيث أن الخطابات السياسية في الحملات الانتخابية الرئاسية غالبا ما تركز على الجبهة الداخلية والإصلاحات الاقتصادية وتحسين القدرة الشرائية، رفع الرواتب وخلق تنمية مستدامة وهي خطابات يشترك فيها الجميع وتكون في شكل وعود يقطعها المترشحون على أنفسيهم لكن ما ينتظره الناخبون هو أن تكون هذه الوعود قابلة للتجسيد وتحترم عقل المواطن والنخاب، أي أن كل وعد انتخابي يجب أن يقابله بديل واقعي وعقلاني، وعندما نتحدث عن البديل نحن نتحدث عن مشروع مكتمل وفق رؤية واضحة وقابل للتجسيد وهذا ما يبحث عنه النخاب اليوم خاصة ما بعد 2019 واكتمال حالة الوعي لدى الناخب الجزائري.
فحالة الوعي التي وصلها المواطن الجزائري لا سيما بصفته كناخب تجعل من الخطابات الشعبوية والوعود الاستهلاكية تنحصر وتتراجع إلى الحد الأدنى، فالمواطن اليوم لديه القدرة على قراءة البرامج وتحليلها وعلى معرفة الوعود القابلة للتجسيد وتلك التي تعتبر مضخمة وغير محترمة لعقل الناخب ولقدرته على الفهم والتحليل والاستيعاب، ولذلك فالمترشحون الثلاثة مطالبون بصناعة خطاب سياسي راقي ومتقيد بالضوابط التي جاءت بها السلطة الوطنية المستقلة والتي تهدف أساسا إلى الحد من خطاب الكراهية والعنصرية أو استغلال مكونات الهوية الوطنية في الدعاية السياسية، وفي نفس الوقت انتاج خطاب سياسي واعي ومتناسب مع الوضع الداخلي والخارجي للبلاد دون تهويل أو الاختزال والتبسيط، خاصة أننا اليوم أمام متغير مهم جدا في العملية الانتخابية وهي مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن اعتبراها بمثابة تقنية الفار(Var) التي يلجأ إليها المواطنون لقراءة الخطابات السياسية واعادة تحليلها بعيدا عن التجمعات الانتخابية وبعيدا عن وسائل الإعلام الكلاسيكية وعن قادة الرأي العام وصناعه، وربما هذا المتغير سيكون له دور كبير في عقلنة الخطابات التي يقدمها المترشحون لاستمالة الناخبين بعيدا عن أي نبرة استغلالية، فالناخب اليوم شريك وليس تابع لأي جهة.
ومن خلالها هذا يمكن القول بأن المشاركة السياسية القوية في انتخابات السابع من سبتمبر بغض النظر عن طبيعة المترشح الفائز، هي الأجندة السياسية التي يعمل الجميع من اجلها نظرا للأهمية التي تكتسيها المشاركة القوية حيث أن لها دورا كبيرا في طبيعة المؤسسات التي يتم بنائها انطلاقا من تلك المشاركة القوية والواعية والقادرة على التميز بين الخاطبات، واختيار المترشح الانسب على أساس البرنامج الذي يقترحه والبنود العريضة التي يبني عليها رؤيته لمدة خمسة سنوات قادمة من تاريخ الجزائر، ولذلك فإنا أهمية المشاركة وأهمية حسن الاختيار تبقى الهدف الأسمى للجميع، نظرا لما سيترتب عنها، وهنا يمكن القول بأن تعزيز الخرجات الجوارية للمترشحين والاحتكاك المباشر بالناخبين وفتح فضاءات حوارية ونقاشية معهم هي آلية مهم جدا في كسر الجليد بين المترشح والمواطنين لا سيما إذا ما تم تفعيل المناظرات السياسية بين المترشحين الثلاثة بإشراف خبراء سياسيين واقتصاديين وأمنيين وبحضور الجمهور خاصة من فئة الشباب إذ يمكن أن تساهم هذه الآلية في جلب الناخبين واقناعهم بالمشاركة وأيضا ستدفع إلى تحسين مستوى الخطاب السياسي والأداء السياسي بين المترشحين الثلاثة خدمة للصالح العام الذي يعتبر الهدف الأسمى للجميع، مترشحين وناخبين.
كرايس الجيلالي باحث في علم الاجتماع السياسي جامعة وهران 2.