2025-01-19 00:14

 

تعتبر ظاهرة العنف من الظواهر القديمة داخل المجتمعات الانسانية، والتي تعاني منها حاليا جميع دول العالم المتقدمة والمتخلفة دون استثناء وعلى حد سواء، و تعتبر ظاهرة سلوكية سلبية تهدد أمن و إستقرار و سلامة الأفراد و المجتمعات، و مؤسسات الدولة و ممتلكاتها العامة، و تظهر عواقبها و مألاتها على سلوكيات الفرد ومن الناحية  النفسية والاجتماعية، باعتباره سلوكا عدوانيا في أغلب الاحيان، وهو يتشكل بين فرد و أخر، أو بين جماعتين، ويهدف الى تحقيق مكاسب غير شرعية باستعمال القوة أو التهديد أو الالحاق الضرر بالاخرين، ومن أنواع العنف نجد العنف الرياضي الذي انتشر بكثرة في السنوات الأخيرة داخل الفضاءات الرياضية، و أصبح موضوع الساعة، خاصة ملاعب كرة القدم باعتبارها الرياضة الأكثر شعبية لدى أوساط الشباب، وأصبحت بذلك ملاعب كرة القدم كفضاء رياضي تشكل هاجسا لدى الدولة في ظل غياب سياسة الردع، وحتى المرافقة من طرففعليات المجتمع المدني ورابطات المشجعين التي يمكنها تغيير توجهات الجهور والنأي به عن التوجهات العنيفة داخل الملاعب.

و هي من جهة أخرى أي ظاهرة العنف في الوسط الرياضي تساهم في تشويه صورة المجتمع الرياضي  ككل، على المستوى الخارجي من خلال نقل واقع مليء بكل أنواع التخريب و التكسير  و سفك الدماء و العنف اللفظي، و الإخلال بالمنظومة الرياضية من طرف شريحة الشباب، وعلى المستوى الداخلي يحث يعزف الكثيرون على ممارسة الرياضة أو تشجيع أنديتهم المفضلة بسبب التطورات التي قد تحدث أثناء المقابلات وبعد نهايته، وهي ممراست خطيرة وفي كثير من الأحياتن تودي بحياة بعض المشجعين، و رغم ذلك لا تزال ظاهرة العنف داخل المنشأت الرياضية عامة و ملاعب كرة القدم خاصة ترسم صورة سلبية حول سلوكيات كل الفاعلين داخل الحقل الرياضي من لاعبين و مسييرين، و مدربين و المناصرين، و صفحات الفايسبوك الخاصة بهذه النوادي نجدها هي الاخرى قد انجرت وراء هذا العنف وأصبحت من بين أكثر ممسبباته والعوامل المساعدة على اعادة انتاجه بصورة جد مقلقة وتشير إلى تفام هذه الظاهرة السلبية.

إن ظاهرة العنف الرياضي استفحلت بكثرة داخل الملاعب الجزائرية و أصبحت تؤرق القائمين على شؤون الكرة الجزائرية نتيجة الاضرار الجسيمة ماديا و معنويا داخل الملعب و خارجه و لتشريح هذه الظاهرة سوف نحاول تحديد أهم الاسباب المؤدية لذلك. نجد

صفحات الفايسبوك و اشكالية التحريض  في نظرنا تعتبر السبب الرئيسي في العنف داخل الملاعب خاصة في ظل التحريض و الاستفزاز أنصار فرق على حساب فرق أخرى في التنقلات، و الملاحظ أن أغلب القائمين على هذه الصفحات قاصرين في السن يفتقدون للوعي و النضج الفكري و العقلي، و هذا ما ينتج عنه نوع التصريحات الاستفزازية بمنشورات و فيديوهات تسبق أو ترافق المقابلات كسلوك منافي للرياضة يدعو لثقافة العداء و العدوانية و الكراهية بدل التسامح و الاستقبال الحسن و التحلي بالروح الرياضية

. الأنصار و إشكالية التعصب: تظهر من خلال التعصب الرياضي  الأعمى و الدعم و الولاء المفرط في حب الفريق  و التي تظهر من خلال نتائج الفريق و عدم تقبلها، مما ينتج نوع من السلوكيات نحو لاعبي الفريق الخصم و مناصريهم مما يتحول الى سلوك سلبي ينتقل من الملعب الى المدرجات من خلال الشجارات بين الجماهير  و نزع الكراسي  لتنتقل بعد ذلك الى خارجه من خلال تكسير الممتلكات العامة و الخاصة، و تظهر لدى الفئات السنية الصغيرة المتشبعة بأفكار فرض الذات و القوة و الحماس الزائد و تفتقد لثقافة الفوز و الخسارة، كما يمكن لهذ الانصار المتعصبة صب جام غضبها على لاعبيها و مسؤولي فرقها بسبب النتائج السلبية بالعنف خاصة في التدريبات.

القرارات التحكيمية: ترتبط ظاهرة العنف بالحكام باعتبارهم الفاعل الأساسي داخل الملعب خاصة في المقابلات المحلية أو الحاسمة ، لذلك هو المقرر الرئيسي لنتائج المباريات، و من نلاحظه اليوم غياب الجهات المختصة في تطبيق القوانين الصارمة على الحكام و منحهم أكثر حرية في تسيير المقابلات مما ينتج عنه نوع من التساهل نتيجة تفضيل فريق على فريق أخرـ أو تلقى رشاوي و امتيازات، أو غياب التكوين القاعدي مما يجعله لا يطبق القوانين بحذافيره، و كذلك غياب التحضير النفسي خاصة في المقابلات الكبيرة التي تستقطب جماهير غفيرة جدا، مما يجعله سببا رئيسيا في تأجيج العنف بداية بين اللاعبين و المسيرين و الادرايين لينتقل بعد ذلك الى الجماهير.

المسيرين و الاداريين و الدخلاء و اشكالية التهديد: يساهم الاداريين و المسيريين بمساعدة فاعلين خارجيين يتميزون بصفات خاصة في تأجيج العنف و التحريض من خلال ممارسة سلوكيات عدوانية على لاعبيي الفريق الزائر أو حتى مناصريهم قد تصل الى حد الاصابات بين اللاعبين و في الأغلب تظهر هذه الممارسات بتواطؤ من جهات أخرى.

الجانب التنظيمي: تظهر من خلال أليات التنظيمية قبل المباراة و التي تهدف أساسا الى دخول المناصر الى الملعب في ظروف مريحة من خلال شراء التذكرة وفتح أكبر عدد من الأبواب و توفير  عدد كبير من أعوان الملعب بهدف التنظيم الجيد كلها عوامل في حالة غيابها تجعل المناصر يمارس نوعا من العنف خارج الملعب، لينتقل به الى أسوار الملعب ححالة من الاحتقان و رفض كل أنواع  الممارسات الضيقة اتجاه المناصر الذي يرى في مباراة القدم نوع من الترفيه و ليس نوع من التضييق.

ظاهرة الالتراس و اشكالية التيفوهات: تنتهج مجموعات الالتراس فكرة التعصب الرياضي كألية في التشجيع عبر مجموعاتها الشبابية، التي تهدف الى ايصال الرسائل ليس فقط الرياضية و انما تتجاوزها الى الاحتجاج الاجتماعي و السياسي داخل المدرجات أو خارجها باعتبارها فضاءا خصبا للتعبير عن الواقع المعاش و من خلال عرض تيفوهات ذات دلالة اتجاه تاريخ النادي أو المدينة، أو اتجاه الفرق المنافسة، و تتعرض أغلب المجموعات الى التضييق الامني نتيجة الرسالات المشفرة مما يجعلها تمارس العنف كوسيلة لتحقيق الهوية والذات الجماعية و التي من خلالها يظهر حب و عشق الفريق و مدى تعلقهم به، و في سياق اخر يمكن للالتراس أن تؤجج العنف من خلال الرسائل الموجهة للفرق المنافسة و التي تكون منافية للأخلاق أو تمس بتاريخ الفريق المنافس. بالاضافة الى ما جاء سابقا يمكن أن نحدد كذلك بعض الاسباب من بينها ضيق الملاعب و قدراها الاستيعابية خاصة في المباريات الحاسمة و التي يصعب على القوات الامنية السيطرة فيها على المناصرين، و الحرمان المادي و المعنوي نتيجة البطالة و المشاكل الاجتماعية، و الاهانة و التهميش، و غياب دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية بداية بالأسرة و المسجد و المدرسة في التعريف بظاهرة العنف و خطورتها كلها عوامل تجعل الشاب الجزائري يجعل من الملعب كفضاء خصب للتعبير عن مكنوناته وفق أهوائه من خلال ممارسة العنف بكل أنواعه.

 الحلول:

–         تكاثف و تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية للحد من ظاهرة العنف بكل أنواعه خاصة في فترة المراهقة. –         تطبيق قوانين ردعية على الصفحات الفايسبوك الرياضية المحرضة على العنف . –

تكاثف الجهود بين القوات الأمنية و مسؤولي الملاعب لتوفير كل الظروف الحسنة للمناصر داخل و خارج الملعب و وضع كاميرات مراقبة. –

تفعيل دور لجان الأنصار في تقديم أليات عمل مشتركة بين الانصار و الادارة و مسؤولي الملعب كشريك رياضي،و تقديم مبادرات صلح بين الانصار . –

تفعيل دور الاعلام الرياضي في تشريح الظاهرة و مدى خطورتها من خلال روبوتاجات و مقالات صحفية و حملات تحسيسية و ندوات و ملتقيات علمية حول العنف الرياضي. –

فتح باب الحوار بين ادارات الفرق و المناصرين باعتبارهم جزء من الفريق و شريك يمكنه ان يكون فاعلا في الحد من ظاهرة العنف و ايصال رسائل بقية المناصرين من خلال الية الحوار و تقبل الاخر.

– تحرك مختلف فعليات المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات خاصة جمعيات قدماء اللاعبين وقدماء المشجعين وتواجدهم في الملاعب على التخفيف من حدة التوترات فالمجتمع المدني يمتلك ثقافة خاصة اذا كان فاعلا  في الواقع وله حضور فعلي وتكفل واضح بإنشغالات المواطنين فإن تدخله في مثل هذه المواقف سيساهم في الحد من حالة الاحتقان والصراع. – العمل على تعزيز صورة الرياضة والمنافسات الرياضية أنه مجرد لعبة في نهاية المطاف ولا يمكن ان ترقى إلى ضرب وحدة المجتمع واثارة الخلافات والتوجه نحو العنف.

– الحد من السلكات غير الأخلاقية والممارسات التي تتعرض مع الروح الرياضية حتى يبتعد المشجعون عن مثل هذه الممارسات غير اللائقة.

وفي الاخير يبقى العنف داخل الملاعب أحد أشكال تعبير الفرد عن تلك القيم السلبية والميولات التي يجب مرافقتها والعمل على تهذيبها، خاصة ان الرياضة اليوم هي لعبة مدنية وتمارس في الوسط الحضري وبذلك هي تعبير عن قيم الرفق واللين والتعاون، بل ان الرياضة هي عامل من عوامل الحد من العنف وتهذيب النفوس وأخلقتها، ولذلك المشكلة ليست في الرياضة بل في الممارسات التي ترافق هذه اللعبة أي كرة القدم وتفرض على الاعبين والمشجعين الانحدار في كثير من الممرات إلى ممارسات غير حضارية لا تتلاءم مع روح المدينة وروح التمدن، وهنا لا بد من تحرك المجتمع المدني فهو وحده القادر من خلال دوره كقوة تغيير وضغط ومشارة واقتراح ومباردة، لتغيير واقع ملاعبنا عن طريق تريقة الروح الراضية والابتعاد عن كل ما يسئ للعبة وللجهمور ولروح المدنية في مجتمعتنا.

حلوز خالد دكتور في علم الاجتماع السياسي أستاذ مؤقت جامعة تيارت.

 

 

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.